الأوكسجين "o"
يشغل هذا العنصر المكان الأول من حيث الوفرة متقدماً جداً في سبقه هذا عن العنصر الذي يليه لأنه يؤلف 49% من قشرة الأرض.
وفسر ذلك بأهمية الأوكسجين في العالم، لأنه العنصر الأكثر وفرة بعد الهيدروجين والهليوم... وبالظروف التي ولدت فيها الكواكب السيّارة؛ إذ أنها تألفت من تراكم ذرات الغبار في القرص الذي تُأَلَّف حول الشمس حين تكوُّنها، وهذه الذرات من الغبار مؤلفة في أساسها من الأكاسيد المعدنية لأن الأكسجين هو العنصر الذي يمكنه أن يتحد مع العديد من العناصر الأخرى.
ومن المعلوم أن هذا المصير لم يقتصر على الأرض وحدها، بل إن الصخور القمرية مع تحليلها قد كشف عن نسبة الأوكسجين قريبة هي أيضاً من 50% وكل الدلائل تحمل على الاعتقاد بأن الأوكسجين هو العنصر الوحيد المسيطر في عطارد والزهرة والمريخ أيضاً.
وفي مقابل ذلك تتميز الأرض بامتياز وحيد في حيازتها لجو يوجد فيه الأوكسجين بالحالة. ومن الواضح أن أكسجين الجو لايؤلف في كتلته إلا جزءاً صغيراً يكاد يكون عديم الأهمية بالنسبة إلى الأوكسجين الذي في الأرض، ولكن وجوده مهم جداً..
إلى أي مناسبة ينبغي أن يُعزى هذا الأوكسجين ؟!...
يعتقد أن هذا الأوكسجين قد نتج في الأول من الماء، إذ من المعلوم أن المحيطات تتبخر بفعل التسخين الذي يأتيها من إشعاع الشمس.
وقد كان يُدًّرس منذ أمد أن البخار يتكاثف في الجو ثم يعود إلى الأرض مطراً فيولد الأنهار التي تعود إلى البحر... ولكن هناك تضييعات... فهناك قسم صغير من بخار الماء بدلاً من أن يهطل يرتفع ويبلغ ارتفاعات تجعله يخضع لتأثير الإشعاع فوق البنفسجي... هذا الإشعاع الذي يحلل جزئيات الماء ويحرِّر الهيدروجين الذي يفر نحو الفضاء... ويبقى الأوكسجين في الجو. وهكذا فقد اغتنى الجو يه تدريجياً. وقامت مملكة النبات بالباقي.. لأن النبات يمتص غاز الكربون وبخار الماء ويطرح الأوكسجين ... وقد تتابع عمله هذا خلال مئات ملايين السنين...
وهكذا استمر خلال الجيولوجية السيرورة التي جعلت الأرض تتمتع اليوم بحالة مختلفة كل الاختلاف عن جاراتها من السيارات، وإن جوي المريخ والزهرة يتألفان أساساً من غاز الكربون أي من نواتج الاحتراق لذلك فإن وضعنا واقع وحيدٌ في ذاته.
ولهذا الجو الحاوي على الأوكسجين تدوين الأرض بمنظرها الجميل من الداخل ومن الخارج... فنحن نرى فوق رؤوسنا منظر السماء الزرقاء.... والسماء في الحقيقة ليست زرقاء؛ لأنه متى وصل الإنسان إلى الفضاء وجده أسود. (لأنه لا يردُّ الضوء بل يسير الضوء منه، ويضيع في نهاياته السحيقة)
وأما اللون الأزرق فيكسبه جوُّنا من انتثار أشعة الشمس على جزيئات الأوكسجين التي فيه... كذلك عندما تراقب الأرض من بعد كبير فإنه يؤلف جوها حولها غلافاً جميلاً يجلها تبدو كأنها كوكب سيّار أزرق كذلك فإن النتائج العملية لهذا الأكسجين الحر غزيرة: ففي جو الأرض يوجد هذا الغاز الذي يُّمكن المواد من الاحتراق، و لهذا السبب سمي بالحارق، ويطلق اسم الاحتراق على التفاعل الكيماوي لأي جسم مع الأوكسجين.
وقد كُشِف هذا الحارق مبكراً فالصينيون كانوا منذ القرن الحادي عشر يتحدثون عن (اليين) الموجود في الجو والذي تستولي عليه المواد التي هي من نوع المعادن أو الفحم.. وقد ذكروا طريقة لتحضيره / من ثاني أكسيد المانغنيز / وهم يعلمون أن اليين يدخل أيضاً في تركيب الماء، وأن استخراجه منه صعب جداً.
وأما في أوروبا فقد لُفت النظر مرات عديدة... وخاصة من قِبَل / جان ري، وروبير بيل, وجون مايوف, وميشيل لومونسوسوف / إلى ازدياد وزن المعادن عندما تمَّحص أو تشوى ويبتعد ذلك على افتراض أنها تأخذ من الهواء شيئاً.
لقد سجلت وثيقة ولادة الأوكسجين في 1 آب 1774م. ففي ذلك اليوم أمكن عزل هذا العنصر في مدينة كيلن في مقاطعة ولتشاير ابتداءً من أكسيد الزئبق المسخن... وقد قام بهذه التجربة كيماوي شاب اسمه: يوسف بريستلي وهو صديق ﻟـ (لبنيامين فرانكلن, وجيمس واط) وقد كان من أسوأ العلماء حظاً... وكان ابناً لتاجر أقمشة، و قد وضعه أبوه في سن الثامنة عشرة ليتعلم مهنته عند صاحب محل أجبره على تعلُّم العبرية ونَعِم بعدة سنوات من الحث بفضل رجل محسن اختلف معه في نهايتها، ثم قامت ضده حملة أثارت عليه الأهالي فحطّموا له أجهزته وأحرقوا له داره... فلم يعد أمامه سوى الهجرة إلى أمريكا لينهي أيامه في ضيعة معزولة.
لقد صنع بريستلي الأكسجين، ولافوازيه هو الذي حدد نسبته في الهواء وعرف هوية العنصر الذي نجم اسمه عن التباس على إثر تجربته ذات الأثنى عشر يوماً وليلة... ولقد ظن (لافوازيه) الأكسجين موجوداً في جميع الحموض وسمّاه بنتيجة ذلك (أوكسجيننوس=مولد الحمض) صحيح= أن الأكاسيد يمكنها مع الماء أن تولد حموضاً... ولكن اكتشف بعد ذلك حموض تنتج بطريقة أخرى ولا تحوي على شيء من الأكسجين...
وهكذا فقصة هذا العنصر ... تجعلنا نشهد فصولاً من تاريخ الأرض وتاريخ العلوم وقد أصبح هذا العنصر الآن مادة صناعية ... يستخرج من الهواء السائل ويحفظ في الدرجة -183 مئوية ويعطي إلى المركبات التي لاتستطيع أن تأخذ شيئاً من محيطها ... وذلك ابتداءً من مركبات الفضاء.
ومن غريب التناقضات أن الأوكسجين هو في غالب الأحيان أثقل شيء يحمله الصاروخ، ولقد بدئ بإنشاء شبكات على سطح الأرض لتوفير الأوكسجين بصورة خاصة لمصانع الحديد والفولاذ التي هي مستهلكة كبيرة للأكسجين / 30 متراً مكعباً من الغاز لكل طن من الفولاذ / .
كما أن استعمال الهواء لإحراق الكربون الموجود في حديد الصب يعد الآن هرطقة لأنه يضيع كثيراً من الطاقة في تسخين كتل كبيرة من الآزوت لاعمل لها... والنتيجة تكون من نوعية أدنى. وإن استعمال الأوكسجين ينتشر ويعم فهو مستعمل لتغذية الحملاجات في تقطيع صفائح الحديد، و في قطع الغرافيت ويقترح استعماله في تبييض الورق وتعتيق الخمور.
على أنه ينبغي أن ندرك أن مقابل هذا الاستعمال الواعي فإن الأوكسجين يستهلك استهلاكاً مستديماً وذلك على مقياس أوسع بكثير: فكل 100 كغ من الفحم تستهلك 265 كغ من الأوكسجين
ويلزم 35 كغ من الأوكسجين لإحراق 100 كغ من النفط .
وتستهلك السيارات من الأوكسجين أكثر مما تستهلك من الوقود لكن الذي يستعمل السيارة يتجاهل ذلك فهذا الأوكسجين يُقدَّم إليه مجاناً من قِبَل الهواء حيث يستقي كل إنسان حسب مشيئته وبدون أن يلاحظ ذلك.
ولكن في النتيجة يؤخذ كل سنة قرابة 15 مليار طن من الأوكسجين من الجو لسد حاجة أرض صناعية تلتهم ماكناتها من الأوكسجين أكثر مما تلتهم مملكة الحيوان.
وهذا يعني أن الأوكسجين ليس العنصر الأوفر فحسب بل هو العنصر الأكثر استهلاكاً ويمكن أن يصبح الطلب منه أكثر في المستقبل القريب، فإننا إذا أوصلنا جميع الأقطار إلى سوية الولايات المتحدة بلغ الاستهلاك السنوي للأوكسجين 100 مليار طن وإذا تصورنا أن يُطلَب إلى أنواع الوقود العادية أن يواجه طلباً أكبر بثلاث مرات لحاجات الطاقة... ويزداد استهلاك الأكسجين بنفس النسبة فهل هذا خطير ؟
إن جو الأرض هو في الحقيقة مستودع كبير يحوي مالا يقل عن 1100000 مليار طن من الأوكسجين..
فبالمقارنة مع ذلك تكون كمية اﻟـ 300 مليار طن من الأكسجين في الجو يمكن أن تنخفض بدون أن ينجم عن ذلك خطر مباشر ومن المعلوم أنّ: الهواء الحاوي على 14% من الأكسجين بدلاً من 21% يسمح بحياة طويلة وتظهر الاضطرابات عندما تهبط النسبة إلى 10% وتصبح خطيرة لدى 7% فقط وفي الحقيقة إن الوقود هو الذي سيعوزنا قبل الأكسجين.
والخطر لاينجم عن افتقار الجو بالأكسجين بقدر ماينجم عن طرح أكاسيد من أنواع مختلفة بدون أن يكون في إمكاننا توقع نتائج هذه العمليات وخاصة ما ينتج من تراكم غاز الكربون الذي يطلق الآن في الجو بمعدل 20مليار طن في السنة ولقد كان هذا الغاز في الزهرة سبباً لمفعولا الدفئية (بيت الزجاج) بشكل قوي جداً. لأن جو هذا الكوكب الكثيف الغني بغاز الكربون قد سمح للإشعاع الشمسي بالوصول إلى سطح الزهرة... بينما أن الجو لم يسنح للإشعاع الحراري بالإفلات وهكذا أخذت درجة حرارة أرض الزهرة ترتفع حتى بلغت اليوم 470 مئوية... ونحن نجهل ابتداءً من أية نسبة من غاز الكربون في جو أرضنا يرتقب حدوث مثل هذا التطور فيها...
وربما كان جو الأرض من وجهة أخرى آلة حساسة.. ففي الهواء الذي نستنشقه قد اتخذت ذرات الأوكسجين مثنى مثنى في جزئيات وفي الأعالي تتغير هذه الحالة لأن هذه الجزئيات تتفكك، وهذا يظهر مع ارتفاع كميات متزايدة من (الأوكسجين الذري) الشديد الفعالية. وهو يتحد مع الآزوت وأكاسيد الآزوت التي تتكون هكذا في تفاعلات عديدة تؤلف دراستها العلم الذي يسمى اليوم (ايرونوميا)
وهذا الأكسجين الذري يولد الأوزون، وهو نوع من الأكسجين يتألف جزيؤه من ثلاث ذرات..، وهو ذو خاصة إحراقية قوية جداً وقد تمكن الإنسان اليوم من إنتاجه صناعياً.. واقتُرح استعماله في الصواريخ بديلاً عن الأوكسجين، ولكنه وجب العدول عنه نظراً لشدة قلقه وعدم استقراره.
إن الأوزون يكثر في جو الأرض وخاصة بين ارتفاعي 16 كم و 50 كم ويؤلف ما يحدد تسميته ( قطعاً ) حيوياً لنا لأنه يقوم بدور حاجز في وجه الإشعاع فوق البنفسجي الشمسي الذي كان فعله سيصبح مميتاً لكثير من الأحياء لو أنه أصاب سطح الأرض .
و نسمع كثيراً صيحة إنذار قائلة: إن طبقة الأوزون هذه سريعة العطب، وإن مجرد زرع الجو من قِبَل الطائرات السابقة للصوت يُعَّرض هذه الطبقة إلى الزوال وهناك تجارب تنكر هذه الادعاءات كما أن بعض لعلماء يؤكدون أن هذه الطبقة القوية باقية... ويقولون: إنها ستبقى مادام في الجو أوكسجين؛ لأن الأوزون سيتشكل دوماً من هذا الأوكسجين.
والحقائق التالية تعلو فوق كل أنواع الجدل: إننا بالتغيير الكبير الذي تنزل بالأرض: من تغير جوِّها وتغيير أرضها باستثمار مكامن المعادن فيها نلتهم في مدة تقل عن قرن واحد عمل مئة مليون سنة. كما لو أن الأرض منذ تكونها لم تخلق إلا من أجل أن تعطينا اليوم خبز وجبة طعام واحدة للصناعة.
وإن الحفاظ على الأرض قد أصبح اليوم مسألة قانونية وستصبح غداً سياسية فهل لكل فرد الحق في أن يأخذ من الجو أو أن يطرح فيه مايشاء أو في الأرض أو في المحيطات؟!
لاشك في أن ثمة فجوة ونقصاً كبيرين... فإن القانون المدني والتجاري معاً استهدف إلى شرعة أتقن وضعها وجرى فيها توُّقع كل الأحوال الممكنة بالاستعانة بقضاء واسع زاخر ونرى مع ذلك أنه لايوجد قانون صناعي فإن المشِّرع ظل خلال قرنين كاملين يتجاهل الظاهرة بينما أخذت الصناعة تغير وجه الأرض.
فإن البشر جميعاً نحو مصير واحد، يتنفسون نفس الأكسجين على هذه السفينة الفضائية الكبيرة وليس لهم من وقاية إلا قشرة جوية رقيقة...
يشغل هذا العنصر المكان الأول من حيث الوفرة متقدماً جداً في سبقه هذا عن العنصر الذي يليه لأنه يؤلف 49% من قشرة الأرض.
وفسر ذلك بأهمية الأوكسجين في العالم، لأنه العنصر الأكثر وفرة بعد الهيدروجين والهليوم... وبالظروف التي ولدت فيها الكواكب السيّارة؛ إذ أنها تألفت من تراكم ذرات الغبار في القرص الذي تُأَلَّف حول الشمس حين تكوُّنها، وهذه الذرات من الغبار مؤلفة في أساسها من الأكاسيد المعدنية لأن الأكسجين هو العنصر الذي يمكنه أن يتحد مع العديد من العناصر الأخرى.
ومن المعلوم أن هذا المصير لم يقتصر على الأرض وحدها، بل إن الصخور القمرية مع تحليلها قد كشف عن نسبة الأوكسجين قريبة هي أيضاً من 50% وكل الدلائل تحمل على الاعتقاد بأن الأوكسجين هو العنصر الوحيد المسيطر في عطارد والزهرة والمريخ أيضاً.
وفي مقابل ذلك تتميز الأرض بامتياز وحيد في حيازتها لجو يوجد فيه الأوكسجين بالحالة. ومن الواضح أن أكسجين الجو لايؤلف في كتلته إلا جزءاً صغيراً يكاد يكون عديم الأهمية بالنسبة إلى الأوكسجين الذي في الأرض، ولكن وجوده مهم جداً..
إلى أي مناسبة ينبغي أن يُعزى هذا الأوكسجين ؟!...
يعتقد أن هذا الأوكسجين قد نتج في الأول من الماء، إذ من المعلوم أن المحيطات تتبخر بفعل التسخين الذي يأتيها من إشعاع الشمس.
وقد كان يُدًّرس منذ أمد أن البخار يتكاثف في الجو ثم يعود إلى الأرض مطراً فيولد الأنهار التي تعود إلى البحر... ولكن هناك تضييعات... فهناك قسم صغير من بخار الماء بدلاً من أن يهطل يرتفع ويبلغ ارتفاعات تجعله يخضع لتأثير الإشعاع فوق البنفسجي... هذا الإشعاع الذي يحلل جزئيات الماء ويحرِّر الهيدروجين الذي يفر نحو الفضاء... ويبقى الأوكسجين في الجو. وهكذا فقد اغتنى الجو يه تدريجياً. وقامت مملكة النبات بالباقي.. لأن النبات يمتص غاز الكربون وبخار الماء ويطرح الأوكسجين ... وقد تتابع عمله هذا خلال مئات ملايين السنين...
وهكذا استمر خلال الجيولوجية السيرورة التي جعلت الأرض تتمتع اليوم بحالة مختلفة كل الاختلاف عن جاراتها من السيارات، وإن جوي المريخ والزهرة يتألفان أساساً من غاز الكربون أي من نواتج الاحتراق لذلك فإن وضعنا واقع وحيدٌ في ذاته.
ولهذا الجو الحاوي على الأوكسجين تدوين الأرض بمنظرها الجميل من الداخل ومن الخارج... فنحن نرى فوق رؤوسنا منظر السماء الزرقاء.... والسماء في الحقيقة ليست زرقاء؛ لأنه متى وصل الإنسان إلى الفضاء وجده أسود. (لأنه لا يردُّ الضوء بل يسير الضوء منه، ويضيع في نهاياته السحيقة)
وأما اللون الأزرق فيكسبه جوُّنا من انتثار أشعة الشمس على جزيئات الأوكسجين التي فيه... كذلك عندما تراقب الأرض من بعد كبير فإنه يؤلف جوها حولها غلافاً جميلاً يجلها تبدو كأنها كوكب سيّار أزرق كذلك فإن النتائج العملية لهذا الأكسجين الحر غزيرة: ففي جو الأرض يوجد هذا الغاز الذي يُّمكن المواد من الاحتراق، و لهذا السبب سمي بالحارق، ويطلق اسم الاحتراق على التفاعل الكيماوي لأي جسم مع الأوكسجين.
وقد كُشِف هذا الحارق مبكراً فالصينيون كانوا منذ القرن الحادي عشر يتحدثون عن (اليين) الموجود في الجو والذي تستولي عليه المواد التي هي من نوع المعادن أو الفحم.. وقد ذكروا طريقة لتحضيره / من ثاني أكسيد المانغنيز / وهم يعلمون أن اليين يدخل أيضاً في تركيب الماء، وأن استخراجه منه صعب جداً.
وأما في أوروبا فقد لُفت النظر مرات عديدة... وخاصة من قِبَل / جان ري، وروبير بيل, وجون مايوف, وميشيل لومونسوسوف / إلى ازدياد وزن المعادن عندما تمَّحص أو تشوى ويبتعد ذلك على افتراض أنها تأخذ من الهواء شيئاً.
لقد سجلت وثيقة ولادة الأوكسجين في 1 آب 1774م. ففي ذلك اليوم أمكن عزل هذا العنصر في مدينة كيلن في مقاطعة ولتشاير ابتداءً من أكسيد الزئبق المسخن... وقد قام بهذه التجربة كيماوي شاب اسمه: يوسف بريستلي وهو صديق ﻟـ (لبنيامين فرانكلن, وجيمس واط) وقد كان من أسوأ العلماء حظاً... وكان ابناً لتاجر أقمشة، و قد وضعه أبوه في سن الثامنة عشرة ليتعلم مهنته عند صاحب محل أجبره على تعلُّم العبرية ونَعِم بعدة سنوات من الحث بفضل رجل محسن اختلف معه في نهايتها، ثم قامت ضده حملة أثارت عليه الأهالي فحطّموا له أجهزته وأحرقوا له داره... فلم يعد أمامه سوى الهجرة إلى أمريكا لينهي أيامه في ضيعة معزولة.
لقد صنع بريستلي الأكسجين، ولافوازيه هو الذي حدد نسبته في الهواء وعرف هوية العنصر الذي نجم اسمه عن التباس على إثر تجربته ذات الأثنى عشر يوماً وليلة... ولقد ظن (لافوازيه) الأكسجين موجوداً في جميع الحموض وسمّاه بنتيجة ذلك (أوكسجيننوس=مولد الحمض) صحيح= أن الأكاسيد يمكنها مع الماء أن تولد حموضاً... ولكن اكتشف بعد ذلك حموض تنتج بطريقة أخرى ولا تحوي على شيء من الأكسجين...
وهكذا فقصة هذا العنصر ... تجعلنا نشهد فصولاً من تاريخ الأرض وتاريخ العلوم وقد أصبح هذا العنصر الآن مادة صناعية ... يستخرج من الهواء السائل ويحفظ في الدرجة -183 مئوية ويعطي إلى المركبات التي لاتستطيع أن تأخذ شيئاً من محيطها ... وذلك ابتداءً من مركبات الفضاء.
ومن غريب التناقضات أن الأوكسجين هو في غالب الأحيان أثقل شيء يحمله الصاروخ، ولقد بدئ بإنشاء شبكات على سطح الأرض لتوفير الأوكسجين بصورة خاصة لمصانع الحديد والفولاذ التي هي مستهلكة كبيرة للأكسجين / 30 متراً مكعباً من الغاز لكل طن من الفولاذ / .
كما أن استعمال الهواء لإحراق الكربون الموجود في حديد الصب يعد الآن هرطقة لأنه يضيع كثيراً من الطاقة في تسخين كتل كبيرة من الآزوت لاعمل لها... والنتيجة تكون من نوعية أدنى. وإن استعمال الأوكسجين ينتشر ويعم فهو مستعمل لتغذية الحملاجات في تقطيع صفائح الحديد، و في قطع الغرافيت ويقترح استعماله في تبييض الورق وتعتيق الخمور.
على أنه ينبغي أن ندرك أن مقابل هذا الاستعمال الواعي فإن الأوكسجين يستهلك استهلاكاً مستديماً وذلك على مقياس أوسع بكثير: فكل 100 كغ من الفحم تستهلك 265 كغ من الأوكسجين
ويلزم 35 كغ من الأوكسجين لإحراق 100 كغ من النفط .
وتستهلك السيارات من الأوكسجين أكثر مما تستهلك من الوقود لكن الذي يستعمل السيارة يتجاهل ذلك فهذا الأوكسجين يُقدَّم إليه مجاناً من قِبَل الهواء حيث يستقي كل إنسان حسب مشيئته وبدون أن يلاحظ ذلك.
ولكن في النتيجة يؤخذ كل سنة قرابة 15 مليار طن من الأوكسجين من الجو لسد حاجة أرض صناعية تلتهم ماكناتها من الأوكسجين أكثر مما تلتهم مملكة الحيوان.
وهذا يعني أن الأوكسجين ليس العنصر الأوفر فحسب بل هو العنصر الأكثر استهلاكاً ويمكن أن يصبح الطلب منه أكثر في المستقبل القريب، فإننا إذا أوصلنا جميع الأقطار إلى سوية الولايات المتحدة بلغ الاستهلاك السنوي للأوكسجين 100 مليار طن وإذا تصورنا أن يُطلَب إلى أنواع الوقود العادية أن يواجه طلباً أكبر بثلاث مرات لحاجات الطاقة... ويزداد استهلاك الأكسجين بنفس النسبة فهل هذا خطير ؟
إن جو الأرض هو في الحقيقة مستودع كبير يحوي مالا يقل عن 1100000 مليار طن من الأوكسجين..
فبالمقارنة مع ذلك تكون كمية اﻟـ 300 مليار طن من الأكسجين في الجو يمكن أن تنخفض بدون أن ينجم عن ذلك خطر مباشر ومن المعلوم أنّ: الهواء الحاوي على 14% من الأكسجين بدلاً من 21% يسمح بحياة طويلة وتظهر الاضطرابات عندما تهبط النسبة إلى 10% وتصبح خطيرة لدى 7% فقط وفي الحقيقة إن الوقود هو الذي سيعوزنا قبل الأكسجين.
والخطر لاينجم عن افتقار الجو بالأكسجين بقدر ماينجم عن طرح أكاسيد من أنواع مختلفة بدون أن يكون في إمكاننا توقع نتائج هذه العمليات وخاصة ما ينتج من تراكم غاز الكربون الذي يطلق الآن في الجو بمعدل 20مليار طن في السنة ولقد كان هذا الغاز في الزهرة سبباً لمفعولا الدفئية (بيت الزجاج) بشكل قوي جداً. لأن جو هذا الكوكب الكثيف الغني بغاز الكربون قد سمح للإشعاع الشمسي بالوصول إلى سطح الزهرة... بينما أن الجو لم يسنح للإشعاع الحراري بالإفلات وهكذا أخذت درجة حرارة أرض الزهرة ترتفع حتى بلغت اليوم 470 مئوية... ونحن نجهل ابتداءً من أية نسبة من غاز الكربون في جو أرضنا يرتقب حدوث مثل هذا التطور فيها...
وربما كان جو الأرض من وجهة أخرى آلة حساسة.. ففي الهواء الذي نستنشقه قد اتخذت ذرات الأوكسجين مثنى مثنى في جزئيات وفي الأعالي تتغير هذه الحالة لأن هذه الجزئيات تتفكك، وهذا يظهر مع ارتفاع كميات متزايدة من (الأوكسجين الذري) الشديد الفعالية. وهو يتحد مع الآزوت وأكاسيد الآزوت التي تتكون هكذا في تفاعلات عديدة تؤلف دراستها العلم الذي يسمى اليوم (ايرونوميا)
وهذا الأكسجين الذري يولد الأوزون، وهو نوع من الأكسجين يتألف جزيؤه من ثلاث ذرات..، وهو ذو خاصة إحراقية قوية جداً وقد تمكن الإنسان اليوم من إنتاجه صناعياً.. واقتُرح استعماله في الصواريخ بديلاً عن الأوكسجين، ولكنه وجب العدول عنه نظراً لشدة قلقه وعدم استقراره.
إن الأوزون يكثر في جو الأرض وخاصة بين ارتفاعي 16 كم و 50 كم ويؤلف ما يحدد تسميته ( قطعاً ) حيوياً لنا لأنه يقوم بدور حاجز في وجه الإشعاع فوق البنفسجي الشمسي الذي كان فعله سيصبح مميتاً لكثير من الأحياء لو أنه أصاب سطح الأرض .
و نسمع كثيراً صيحة إنذار قائلة: إن طبقة الأوزون هذه سريعة العطب، وإن مجرد زرع الجو من قِبَل الطائرات السابقة للصوت يُعَّرض هذه الطبقة إلى الزوال وهناك تجارب تنكر هذه الادعاءات كما أن بعض لعلماء يؤكدون أن هذه الطبقة القوية باقية... ويقولون: إنها ستبقى مادام في الجو أوكسجين؛ لأن الأوزون سيتشكل دوماً من هذا الأوكسجين.
والحقائق التالية تعلو فوق كل أنواع الجدل: إننا بالتغيير الكبير الذي تنزل بالأرض: من تغير جوِّها وتغيير أرضها باستثمار مكامن المعادن فيها نلتهم في مدة تقل عن قرن واحد عمل مئة مليون سنة. كما لو أن الأرض منذ تكونها لم تخلق إلا من أجل أن تعطينا اليوم خبز وجبة طعام واحدة للصناعة.
وإن الحفاظ على الأرض قد أصبح اليوم مسألة قانونية وستصبح غداً سياسية فهل لكل فرد الحق في أن يأخذ من الجو أو أن يطرح فيه مايشاء أو في الأرض أو في المحيطات؟!
لاشك في أن ثمة فجوة ونقصاً كبيرين... فإن القانون المدني والتجاري معاً استهدف إلى شرعة أتقن وضعها وجرى فيها توُّقع كل الأحوال الممكنة بالاستعانة بقضاء واسع زاخر ونرى مع ذلك أنه لايوجد قانون صناعي فإن المشِّرع ظل خلال قرنين كاملين يتجاهل الظاهرة بينما أخذت الصناعة تغير وجه الأرض.
فإن البشر جميعاً نحو مصير واحد، يتنفسون نفس الأكسجين على هذه السفينة الفضائية الكبيرة وليس لهم من وقاية إلا قشرة جوية رقيقة...